Cherreads

Chapter 5 - Hell Begins 2.0 (Arabic version)

O

داخل مملكة القهر

تخطت قدمه الحدود، وأُغلقت البوابة خلفه بصوتٍ ثقيل.

انساب الصوت في عقله، ثابتًا كحقيقة لا جدال فيها

:

"قبل أربع سنوات... لم يكن هناك سور."

الأغلال تُجرّ، السياط تُمزّق الجلود، وعيون غارقة في الرماد ترفع للحظة قبل أن تعود لتموت في الأرض.

الزحام خانق، أجسادٌ نحيلة بملابس ممزقة، عيون خاوية كأنها فقدت القدرة على الحلم. طفلٌ يمدّ يده المرتجفة نحو كسرة خبز عفنة، تسحبه أمه بسرعة.

"لم تكن هناك حدود بين الطبقات، كان الجميع يأكل من نفس الأرض، يشرب من نفس النهر. لكن اللعنة نزلت... والأرض جفّت."

الجدران العالية تمتد كوحشٍ بلا نهاية. رجل عجوز يجرّ صندوقًا أثقل من عمره، خطواته متعثرة، سوطٌ ينهال على ظهره، لكنه لا يشتكي... لا يتوقف.

"حين اختفى الطعام، خاف النبلاء. حين جفّت المياه، بنوا الأسوار واحتكروا الموارد. لم يكن هناك مكان للجميع، فمَن لم يكن غنيًا... طُرد إلى الخارج."

ارتطامٌ شديد، شابٌ يهوي على الأرض بعد ضربة قاسية. يحاول النهوض، لكن ضربة أخرى تجبره على السقوط مجددًا. الدم يختلط بالتراب. لا أحد يتحرك. لا أحد يعترض.

"خارج السور، كان الجوع أرحم من الموت البطيء... الأخ يقتل أخاه لأجل رشفة ماء، الابن يسرق من أمه كي يعيش، والجميع يتشبث بالحياة ولو على جثث الآخرين."

قبضةٌ مشدودة، أنفاس ثقيلة، لكن الصوت يواصل ببرود

:

"الخيار الوحيد للنجاة كان العبودية. اعمل حتى تنكسر، حتى تنزف، حتى تموت... لكن على الأقل، لن تموت جائعًا."

نباحٌ حاد، وقعُ خطوات مسرعة. فجأة، يقفز كلبٌ نحيل، يلعق اليد بجنون كأنه كان ينتظر منذ دهر.

نظرة متجمدة، انعكاس عينيه في عيني الحيوان... وسط هذا الخراب، لا يزال هناك شيء ينبض بالحياة.

مرر يده فوق رأس الكلب وقال بابتسامة خفيفة:

"جلبت لك شيئًا ستحبه، ريو."

ابتعد الكلب قليلًا، يهزّ ذيله بحماس وينبح بصوت مرتفع.

فتح أكاينو السلة التي على كتفه، أدخل يده بين قطع الخشب، يبحث... لكن أصابعه لم تجد ما أراد. تجمد للحظة، ثم تمتم بضيق:

"أنا متأكد أنني جلبتها..."

بحث مجددًا، عبثًا. زفر بضيق، ثم رفع نظره إلى الكلب:

"آه، آسف يا ريو. يبدو أنني نسيتها في الغابة."

خفض الكلب رأسه قليلًا، نظراته مليئة بالاستياء.

ربّت أكاينو على رأسه وقال بنبرة دافئة:

"لا تستاء، أيها الصغير. سأحضرها لك في الصباح."

نهض، شدّ سلة الخشب على كتفه، لوّح له بيده:

"إلى اللقاء، لدي أعمال كثيرة. العجوز ينتظرني الآن."

نباح قصير، ثم استدار الكلب، يمشي مبتعدًا، بينما أكاينو استدار بدوره ليكمل طريقه.

لكن فجأة—

اصطدم بجسدٍ صلب.

رفع رأسه ليجد شخصًا ملثمًا، صامتًا، لا يتحرك.

قال أكاينو سريعًا: "أنا آسف، لم أقصد..."

توقّف.

في لحظة، لمح تحت طرف القماش الأسود، شيء ليس بشريًا—جلدٌ قاتم، كظلٍ متحرك، وعينان حمراوان، متوهجتان للحظة، قبل أن تختفيا.

شعر ببرودة تتسلل إلى جلده.

الشخص لم يرد. لم يتحرك. فقط أكمل طريقه بصمت، كأن شيئًا لم يكن.

راقبه أكاينو وهو يبتعد، نبضه متسارع، أفكاره تتداخل.

"ما به هذا الشخص...؟ إنه غريب..."

ضغط أصابعه على السلة، أكمل طريقه بخطوات حذرة. في مملكةٍ كالقهر، الفضول خطيئة... والخطايا لا تُغتفر.

~~~~

واصل أكاينو سيره عبر الأزقة المزدحمة، متجاهلًا ضوضاء السوق وأصوات الحرفيين الذين يطرقون الحديد وينحتون الخشب. في الأفق، بدأت ملامح ورشة نجارة تتضح بين الأبنية، رائحة الخشب المنحوت امتزجت بدخان سيجارة تحترق ببطء.

داخل الورشة، يد قوية حطمت لوح خشب، ثم رفعت الأداة لتبدأ بالنحت، بينما الرجل يثبت نظره على الباب المفتوح.

"لقد تأخر هذا الفتى... ليس من عادته."

كادت كلماته تتلاشى وسط ضجيج المكان، حتى قطعها وقع خطوات ثابتة.

"لقد أتيت."

ظهر أكاينو عند المدخل، ألقى السلة التي على كتفه برفق على الأرض. الرجل يدعى بريزليوس، بابتسامة خفيفة، قال:

"تأخرت يا أكاينو، ليس من عادتك."

رد أكاينو وهو يمرر يده خلف رأسه، بنبرة ساخرة:

"أنت تعرف أن الحراس مزعجون."

--"هل أزعجوك ثانية؟"

"نعم... كالمعتاد."

وضع بريزليوس الأداة جانبًا، نفث دخان سيجارته، ثم التفت إليه.

"هل أحضرت شيئًا جديدًا؟"

مد أكاينو يده داخل السلة، أخرج قطعة خشبية، وقلبها بين أصابعه قبل أن يرميها له.

"وجدت شيئًا كنت تبحث عنه منذ فترة."

التقطها بمهارة، قلبها بين يديه، عيناه تمسحان تفاصيلها. أزال السيجارة من فمه، ابتسم برضا:

"أحسنت يا أكاينو... لم تخذلني أبدًا."

جاء صوت أنثوي من خلفه، نبرة مرحة ولكنها واثقة:

"ألم أقل لك أنه سيأتي، يا أبي؟"

التفت أكاينو، فرأى فتاة تحمل بعض الأخشاب الثقيلة، شعرها يتمايل عند كتفيها. تقدمت نحوه، نظراتها مرحة، وابتسامة خفيفة على شفتيها.

"مرحبًا، أكاينو."

بادلها النظرة ، وقال:

"يبدو أنكِ مشغولة كالمعتاد، مورا."

ضحكت مورا، وضعت الأخشاب جانبًا، ومسحت يديها على ملابسها الملطخة بالغبار.

"أبي يرهقني بالعمل، لكنك تعلم أنه عنيد."

ابتسم بريزليوس وهو يعيد السيجارة إلى فمه، و نظر إليها قائلاً :

"العمل يعلمك الصبر، مورا... والحياة لا ترحم من يتكاسل."

تأففت مورا قليلًا ، لكنها لم تجادله. التفتت إلى أكاينو وقالت بنبرة اخف :

"وماذا عنك؟ هل ستعلمني درس عن الحياة أم ستساعدني في حمل هذه الأخشاب؟"

رفع أكاينو حاجبًا، ثم ألقى نظرة خاطفة على بريزليوس، الذي عاد إلى فحص القطعة الخشبية دون أن يرفع عينيه. زفر أكاينو قبل أن يرد:

"أعتقد أنني لم آتِ إلى هنا للعمل، لكن... حسنًا."

مد يده ليلتقط بعض الأخشاب، لكن مورا قاطعته وأشارت إلى كومة أكبر:

"ليس هذه، بل تلك هناك."

رفع أكاينو كومة الأخشاب الثقيلة، يتنفس ببطء ليحافظ على توازنه، وبينما كان يسير بها، اقتربت منه مورا بخطوات خفيفة، همست بصوت هادئ:

"هل جاءك أي شيء جديد منه؟"

توقف للحظة، نظراته تاهت في الفراغ، كأنها تبحث عن شيء ضائع. تحول وجهه إلى ظل من اليأس، ثم أجاب بصوت منخفض بالكاد يُسمع:

"لا."

لم تعلق مورا على الفور، فقط راقبته وهو يضع الخشب في مكانه. بعد لحظة صمت، قالت بنبرة صادقة:

"أنا آسفة لسماع ذلك، أكاينو."

وفجأة—

صوت!

أو بالأحرى... آلاف الأصوات!

صرخات تمزق رأسه، تتردد داخله كما لو أن ألف شخص يُقتلون في نفس اللحظة. الألم اجتاح جمجمته، كأن سكاكين حادة تُدقّ في عقله بلا رحمة. جسده تجمد، ثم سقط على ركبتيه، أنفاسه متقطعة، عيناه متسعتان في رعب.

كان هناك دم.

ليس مجرد دم، بل بحرٌ منه، يمتد أمامه، يلطخ يديه، يحيط به كما لو أنه كان السبب في كل هذا الخراب.

"أكاينو!"

صوت مورا اخترق الضباب الذي التف حوله، اقتربت منه، عيناها مليئتان بالقلق.

"ما بك؟!"

رمش بعينيه بقوة، الصورة أمامه تلاشت، عاد كل شيء إلى طبيعته... لكن الألم بقي.

زفر بعمق، حاول الوقوف رغم جسده المرتعش، مسح جبينه المتعرق، ثم قال بصوت مبحوح:

"لا شيء."

لم تصدقه مورا، لكن قبل أن تتحدث، جاء صوت آخر من الخلف.

"أكاينو، هل أنت بخير؟"

كان بيرزيلوس، عينيه تضيقان بشك وهو يراقب وجه أكاينو الشاحب.

أجبر أكاينو نفسه على الوقوف، زفر ببطء ثم قال بصوت ثابت قدر الإمكان:

"أنا بخير... لم أنم جيدًا فحسب."

حدق فيه بيرزيلوس لثوانٍ، لكنه لم يضغط عليه أكثر.

لكن أكاينو...

في داخله، لم يكن شيء بخير.

لماذا؟

لماذا أسمع هذه الصرخات باستمرار...؟

لم يكن هناك إجابة.

فقط الصمت...

بعد لحظات

تقدم بيرزيلوس وأخرج كيسًا صغيرًا من العملات، وألقى به نحو أكاينو، الذي التقطه بمهارة.

"300 عملة، نصف الدفعة، لأنك أحضرت نوعًا واحدًا فقط."

رفع أكاينو حاجبًا واحتج فورًا:

"300؟ كنا قد اتفقنا على 400!"

أجاب بيرزيلوس دون أن يرفع عينيه عن الخشب الذي يفحصه:

"لا تكن طماعًا، الاتفاق كان واضحًا."

"الاتفاق كان على إحضار الخشب، وأحضرته، لم أقل إنني ساحر يستطيع إيجاد كل شيء في تلك المملكة !"

في منتصف الجدال، بدت مورا وكأنها تذكرت أمرًا مهمًا. تركتهما فجأة ودخلت إلى الداخل دون أن تنطق بكلمة.

أما أكاينو، فكان لا يزال يحتج، لكنه توقف عندما لاحظ تغير نظرات بيرزيلوس. بدا الرجل جامدًا، عيناه متسعتان وكأنه رأى شبحًا.

"لماذا سكت؟ ما الأمر؟"

لم يرد بيرزيلوس، فقط ظل يحدق للأمام. التفت أكاينو ليرى بنفسه... لا شيء. الناس تمر، الحياة مستمرة، لا شيء غريب.

أعاد نظره إلى الرجل وسأله بحدة:

"بيرزيلوس، ماذا هناك؟"

أفاق الرجل وكأنما عاد إلى الواقع، تظاهر بالهدوء وهو يقول:

"لا شيء... لا شيء، إذن، ستأخذ ما اتفقنا عليه؟"

قبل أن يجيب أكاينو، دوى جرس المملكة في الأرجاء. زفر بضيق وهو يعيد كيس العملات إلى جيبه:

"ليس لدي حل آخر، سأخذه."

استدار مستعدًا للرحيل، ولوّح بيده بلا اهتمام:

"أنا ذاهب، عليّ الوصول إلى العمل قبل أن أتأخر."

أجابه بيرزيلوس بصوت ثابت:

"لا تتأخر الأسبوع المقبل."

لم يلتفت أكاينو، فقط انطلق يجري، يختفي بين الحشود.

بعد لحظات، خرجت مورا تحمل شيئًا بين يديها، رفعت رأسها تبحث عنه، ثم صاحت:

"أكاينو!"

لكنه لم يسمعها. وقفزت أنفاسها باضطراب وهي تراه يختفي في زحام المملكة. عضّت شفتيها بضيق قبل أن تهمس لنفسها:

"أيها الأحمق... كان هناك شيء لك."

يتبع....

More Chapters